هل تقضي الـ برمجة منخفضة/بدون كود على وظيفة المسوق التقليدي؟
في كل مرة تظهر فيها تقنية جديدة، يسود الذعر في الأوساط المهنية. سمعنا ذلك عند ظهور “الذكاء الاصطناعي”، ونسمعه الآن وبقوة مع صعود نجم الـ برمجة منخفضة/بدون كود (Low-Code/No-Code).
السؤال الذي يدور في ذهن كل كاتب محتوى، متخصص SEO، ومسوق عبر منصات التواصل الاجتماعي هو: “هل وظيفتي في خطر؟ هل سيستبدلني المدير ببرنامج آلي أو بشخص واحد يمتلك “أدوات سحرية”؟”.
الإجابة القصيرة والصادمة هي: نعم، المسوق “التقليدي” في خطر حقيقي.
ولكن، المسوق الذي يقرر التطور وركوب الموجة سيتحول إلى “عملة نادرة” تتنافس عليها الشركات. في هذا المقال، سنكشف النقاب عن هوية “المسوق التقني”، ولماذا تعتبر مهارات الـ برمجة منخفضة/بدون كود هي الإضافة الأهم لسيرتك الذاتية في العقد القادم.
أولاً: وداعاً لعصر “الكلام الجميل”.. مرحباً بعصر “بناء الأنظمة”
لفترة طويلة، كان تعريف المسوق الجيد ينحصر في: شخص يكتب نصوصاً جذابة (Copywriting)، يفهم في الاستهداف الإعلاني، ويمتلك حساً إبداعياً. هذه المهارات لا تزال مهمة، لكنها لم تعد كافية.
الشركات اليوم لا تبحث فقط عن “أفكار”، بل تبحث عن “تنفيذ سريع”.
- المسوق التقليدي يقول: “لدي فكرة رائعة لصفحة هبوط، سأرسل التصميم للمبرمج وأنتظره أسبوعين”.
- المسوق الحديث يقول: “لقد قمت ببناء صفحة الهبوط وإطلاقها وتوصيلها بنظام الإيميل باستخدام أدوات برمجة منخفضة/بدون كود، والنتائج بدأت بالظهور”.
هذا الفارق في السرعة والاعتمادية هو ما يجعل الميزان يميل لصالح من يمتلك هذه المهارات التقنية الحديثة.
ثانياً: صعود نجم “المسوق التقني” (The Technical Marketer)
مع انتشار أدوات الـ برمجة منخفضة/بدون كود، ظهر مسمى وظيفي جديد غير رسمي ولكنه مطلوب بشدة، وهو “المسوق التقني”.
من هو هذا الشخص؟ هو مسوق يفهم أساسيات التسويق (شريحة العملاء، القيمة المقترحة، القمع البيعي)، ولكنه يمتلك أيضاً “عقلية هندسية”. هو لا يكتب الكود (Code)، ولكنه يفهم المنطق (Logic) وراء كيفية عمل التطبيقات.
لماذا تعشق الشركات هذا النوع من المسوقين؟
- توفير التكلفة: بدلاً من توظيف مبرمج ومسوق، يقوم شخص واحد بالدورين في المراحل الأولية.
- السرعة (Agility): القدرة على تجربة 10 أفكار مختلفة في شهر واحد بدلاً من فكرة واحدة.
- الاستقلالية: لا يتوقف العمل بسبب إجازة المبرمج أو انشغاله في إصلاح “Bugs” أخرى.
ثالثاً: المهارات الجديدة المطلوبة في سوق العمل (أكثر من مجرد أدوات)
عندما نتحدث عن تعلم الـ برمجة منخفضة/بدون كود، فنحن لا نعني فقط حفظ طريقة استخدام أداة معينة، بل نعني اكتساب مجموعة مهارات عقلية وتقنية جديدة:
1. التفكير المنطقي وهندسة العمليات (Workflow Logic)
أهم مهارة يمنحك إياها هذا المجال هي التفكير بأسلوب: “If This, Then That”.
- المسوق التقليدي: يجمع الإيميلات يدوياً من فيسبوك ويضعها في ملف إكسل.
- المسوق التقني: يبني مساراً آلياً: “إذا سجل العميل في فيسبوك -> أرسل البيانات لـ Airtable -> انتظر 5 دقائق -> أرسل إيميل ترحيبي”. هذه العقلية هي جوهر الـ برمجة منخفضة/بدون كود.
2. إدارة قواعد البيانات (Database Management)
لا تقلق، لا نتحدث عن SQL المعقدة. ولكن يجب أن تفهم كيف تنظم البيانات. كيف تربط جدول “العملاء” بجدول “الطلبات”؟ فهمك للعلاقات بين البيانات (Relational Databases) باستخدام أدوات مثل Airtable يجعلك قادراً على بناء أنظمة CRM مخصصة لشركتك بدلاً من شراء برامج بمئات الدولارات.
3. تصميم واجهات المستخدم (UI/UX Implementation)
أدوات مثل Webflow و Framer تتطلب منك عيناً فاحصة. لم يعد يكفي أن ترسم “سكتش” على ورقة. يجب أن تفهم مبادئ التصميم (الهوامش، التباين، التجاوب مع الموبايل) لتتمكن من بناء الصفحات بنفسك.
4. الربط والتكامل (API Integration Concepts)
أنت لا تحتاج لكتابة كود API، لكن يجب أن تفهم كيف تتحدث التطبيقات مع بعضها. ما هو الـ “Webhook”؟ وما هو الـ “Trigger”؟ معرفتك بهذه المصطلحات تجعلك “ساحراً” في نظر أي شركة.
رابعاً: كيف تضع هذه المهارة في الـ CV الخاص بك كمسوق؟
هنا نأتي للجزء الأهم. كيف تبيع نفسك كخبير برمجة منخفضة/بدون كود دون أن تبدو وكأنك تدعي أنك مبرمج محترف؟
الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون هو كتابة أسماء الأدوات فقط (مثل: Zapier, Webflow). مدير التوظيف (HR) قد لا يعرف هذه الأسماء. الحل هو التركيز على “الأثر والنتيجة”.
أمثلة عملية لصياغة السيرة الذاتية (Before & After):
❌ الطريقة التقليدية (ضعيفة):
- المهارات: Marketing, SEO, Zapier, Webflow.
✅ طريقة المسوق التقني (قوية وجذابة):
في قسم الخبرات أو المشاريع:
- تطوير الويب: “قمت بتصميم وتطوير الموقع الإلكتروني للشركة بالكامل باستخدام تقنيات برمجة منخفضة/بدون كود (Webflow)، مما وفر 5000$ وزاد سرعة تحميل الموقع بنسبة 40%.”
- أتمتة التسويق: “بناء نظام أتمتة متكامل (Automation System) يربط بين إعلانات فيسبوك وفريق المبيعات، مما قلل وقت الاستجابة للعميل من 4 ساعات إلى دقيقتين فقط.”
- تطوير المنتجات: “إطلاق نموذج أولي (MVP) لتطبيق ولاء العملاء في 10 أيام فقط باستخدام أدوات No-Code لاختبار السوق قبل الاستثمار في البرمجة الكاملة.”
في قسم المهارات (Skills):
- No-Code Development & Prototyping.
- Marketing Automation & Workflow Design.
- Database Structure & Management.
هذه الصياغة تظهرك كشخص “حلّال للمشاكل” (Problem Solver) وليس مجرد مستخدم لأداة.
خامساً: هل فات الأوان للبدء؟
الخبر الجيد هو أن ثورة الـ برمجة منخفضة/بدون كود لا تزال في بدايتها، خاصة في العالم العربي. الشركات العربية بدأت تدرك الآن أهمية التحول الرقمي السريع، والطلب على الأشخاص الذين يجمعون بين “فهم السوق” و”القدرة على البناء” في تصاعد جنوني.
المسوق التقليدي الذي يكتفي بكتابة البوستات وإعداد الحملات الإعلانية سيجد نفسه محاصراً بمنافسة شرسة وراتب محدود. أما المسوق الذي يضيف الـ برمجة منخفضة/بدون كود إلى ترسانته، فهو يفتح لنفسه أبواباً لا حصر لها:
- رواتب أعلى (لأنك تقوم بعمل شخصين).
- فرص عمل عن بعد (Remote Work) مع شركات عالمية.
- القدرة على إطلاق مشاريعك الخاصة (SaaS أو E-commerce) دون شريك تقني.
الخلاصة
الـ برمجة منخفضة/بدون كود ليست عدواً للمسوق، بل هي “الرجل الحديدي” (Iron Man Suit) الخاص به. هي الدرع الذي يحولك من شخص عادي إلى بطل خارق في الإنتاجية.
لا تنتظر حتى تصبح هذه المهارة “إلزامية” في إعلانات الوظائف. ابدأ اليوم، اختر أداة واحدة، وتعلم كيف تبني بها شيئاً صغيراً. مستقبلك المهني سيتغير بالكامل.
هل بدأت بالفعل في تعلم أي من هذه الأدوات؟ شاركنا تجربتك في التعليقات!